Uncategorizedمقالات

في ذكرى المولد.. كيف نعمق الانتماء للهوية؟

بقلم عباس شريفة


مناصحة – متابعة

 

عندما نقف على المعالم الكبرى في تاريخ الإسلام نلحظ فيه أربعة أحداث احتوتها أربعة ظروف مكانية وزمانية شكلت بمزيجها المتفاعل مضمون هوية الأمة وتولد منها فجر الإسلام الصادق وعلا صرح بنيانه الخالد الذي نتفيأ ظلاله إلى اليوم

كان الحدث الأول في بيت آمنة وهب حيث تأذنت الإرادة الإلهية بولادة الرسول الكريم سيدنا محمد المثال والقدوة والقائد الذي بدأت بولادته إرهاصات قيامة العرب وبعثهم من مدافن الجاهلية وحياة التوحش والفوضى حيث لا قيادة ولا عصبة. والآن جاء من يلم شعثها ويشفي عللها ويقيم دولتها.

وكان الحدث الثاني في غار حراء حيث تعطفت الحضرة الإلهية على الإنسانية الغارقة في ظلم الجاهلية وظلامها بإفاضة النور العميم والوحي الكريم ليضاف عنصر آخر من عناصر البعث، فقد وجدت القائد والرسالة والمنهج والإمام بعد أن كانت العرب أمة أمية تعيش على هامش التاريخ لا كتاب لها ولا قائد والآن تفتح لها بوابة التاريخ على مسرح العالم.

وكان الحدث الثالث في يوم العقبة الثانية حيث كانت البيعة على النصرة والحماية فولدت العصبة والأمة والديار وهي أهم بيعة في الإسلام وأعتقد أنها أهم من الهجرة لأنها العقد والعهد الذي مهد للهجرة التي غيرت مسار التاريخ ونقلت المسلمين من طور الاستضعاف والاستباحة إلى طور بناء الشوكة ونواة الدولة التي حققت كل أركانها من وجود الإقليم الجغرافي في المدينة المنورة والشعب المؤمن والمناصر والعقد الاجتماعي بما تضمنته وثيقة المدينة، إضافة للوحدة الثقافية بحلول منهج الإسلام بديلاً عن نعرة الجاهلية.

و وكان الحدث الرابع في حجة الوداع ومن على جبل عرفات وبعد أن خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته المعروفة حيث دفن مآثر الجاهلية تحت قدميه وأعلى مبادئ الإسلام وأعلن مبادئ الإخاء الإيماني بإعلان حرم الدماء والأموال والأعراض وعلى جبل عرفات نزل البيان باكتمال الرسالة وخلودها في قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وإدراكاً منهم لأهمية هذا البيان قالت اليهود: لو نزلت هذه الآية علينا في يوم لاتخذناه عيدا، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد: يوم جمعة وافق ذلك يوم عرفة. ولعل أهمية هذا البيان أنه حفظ الإسلام من التحريف والتزوير كما حل في الكتب السماوية السابقة وإيذان بخلود رسالة الإسلام وخاتميتها. فالكمال هنا يقتضي أنه منهج لا يلحقه النسخ ولا التعديل وإن كان لا يلحقه النسخ او التعديل فهو خالد إلى يوم القيامة.

ومن هنا ومن هذه اللحظات التاريخية الأربعة تشكلت هوية الإسلام الخالدة حيث امتزجت ولادة القيادة والأسوة الكاملة بالمنهج الخالد والتجربة التاريخية العملية في دولة المدينة.

في حروب الردة بعد وفاة رسول الله الذي تحول بعد وفاته من القيادة المادية إلى القيادة المعنوية بخلود سنته وتعاليمه حفظ الصديق الأرض والجغرافيا ودار الإسلام تأسساً على بيعة العقبة الثانية. وفي خلافة عمر بدأ التاريخ بالعام الهجري وصارت هجرة المصطفى بداية تاريخ الأمة وفي خلافة عثمان نسخ المصحف ووزع على الأمصار وتوحد الرسم منعا من اختلاف الأمة حول المرجعية، بعد أن جمع في خلافة أبي بكر. وباجتماع هذه العناصر تشكلت الهوية التي تستهدف اليوم. تستهدف بضرب القدوة والأسوة من خلال نسف السنة النبوية واستبعادها من مصادر التشريع والتلقي والاكتفاء بالقرآن ليسهل عليهم تأويله بما يعود عليه بالبطلان والنظر لشخصية الرسول كرمز تاريخي والاكتفاء بتقديس ذاته دون مراعاة سنته والاحتفال بمولده بدون رسالته. ثم بتفتيت الجغرافيا وديار الإسلام إلى ممالك وملحقات استعمارية وظيفتها سجن الشعوب في معتقلات الوطن الحظيرة ثم بنسف التاريخ وتحويله لتاريخ مبتور يستمد من كتاب الأغاني وكتاب ألف ليلة وليلة والعودة لاستحياء تاريخ الجاهلية وما قبل الإسلام ثم تفكيك الهوية بطرح الهويات الإنسانوية بحيث يغدو الفضاء الثقافي للأمة حمى مستباحا للاختراق فاقداً للمناعة أمام تيارات الاجتثاث من الباطنية الملحدة والإلحاد الجديد.

إن مناسبة المولد مناسبة لاستحياء اللحظات التاريخية التي تشكل منها فجر الإسلام الخالد وتحقيق التصور المشترك والشعور العام والوعي بهذه اللحظات مجتمعة بدون فصل للرسول عن الرسالة ولا فصل الرسالة عن الأمة بحاضرها وتاريخها حتى يتحقق البعث في الأمة كما تحقق بعثها الأول حين بعث الله في الأميين رسولا منهم ونقلهم من رعاية الغنم إلى مهمة الشهادة على العالمين وجعلهم خير أمة أخرجت للناس.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق